فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد».
قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض قيل: أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في قوله خير نسائها ومعناه إنهما خير كل النساء بين السماء والأرض قال الشيخ محيي الدين النووي: والأظهر أن معناه أن كل واحد مهما خير نساء الأرض في عصرها، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه. اهـ.

.قال القرطبي:

روى مسلم عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنتِ عمران وآسية امرأة فرعون وإنّ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» قال علماؤنا رحمة الله عليهم: الكمال هو التناهي والتمام؛ ويقال في ماضيه (كمل) بفتح الميم وضمها، ويكمل في مضارعه بالضم، وكمال كل شيء بحسبِه.
والكمال المطلق إنما هو لله تعالى خاصة.
ولا شك أن أكمل نوع الإنسان الأنبياء ثم يليهم الأولياء من الصدّيقين والشهداء والصالحين.
وإذا تقرّر هذا فقد قيل: إن الكمال المذكور في الحديث يعني به النبوّة فيلزم عليه أن تكون مريم عليها السلام وآسية نبيّتين، وقد قيل بذلك.
والصحيح أن مريم نبيّة؛ لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين حسب ما تقدّم ويأتي بيانه أيضا في مريم.
وأما آسية فلم يرِد ما يدل على نبوّتها دلالة واضحة بل على صدّيقيتها وفضلها، على ما يأتي بيانه في التحريم.
وقال ابن عطية: جمهور الناس على أنه لم تنبأ امرأة. اهـ. والله أعلم.
وروي من طرق صحيحة أنه عليه السلام قال فيما رواه عنه أبو هريرة: «خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد» ومن حديث ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» وفي طريق آخر عنه: «سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة وخديجة» فظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حوّاء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة؛ فإن الملائكة قد بلغتها الوحي عن الله عز وجل بالتكليف والإخبار والبشارة كما بلغت سائر الأنبياء؛ فهي إذًا نبيّة والنبيّ أفضل من الوليّ فهي أفضل من كل النساء: الأوّلين والآخرين مطلقًا.
ثم بعدها في الفضيلة فاطمة ثم خديجة ثم آسِية.
وكذلك رواه موسى بن عقبة عن كُرَيْب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسِية».
وهذا حديث حسن يرفع الإشكال.
وقد خصّ الله مريم بما لم يؤته أحدًا من النساء؛ وذلك أن روح القدس كلمها وظهر لها ونفخ في دِرعها ودنا منها للنفخة؛ فليس هذا لأحد من النساء.
وصدّقت بكلمات ربها ولم تسأل آية عندما بُشِّرت كما سأل زكريا صلى الله عليه وسلم من الآية؛ ولذلك سماها الله في تنزيله صِدّيقة فقال: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [المائدة: 75].
وقال: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبَّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القانتين} [التحريم: 12] فشهد لها بالصدّيقية وشهد لها بالتصديق لكلمات البشرى وشهد لها بالقُنُوت.
وإنما بشر زكريا بغلام فلحظ إلى كبر سنه وعقامة رحم امرأته فقال: أنى يكون لي غلام وامرأتي عاقر؛ فسأل آية؛ وبشرت مريم بالغلام فلحظت أنها بِكْرٌ ولم يمسسها بشر فقيل لها: {كذلك قَالَ رَبُّكَ} [مريم: 21] فاقتصرت على ذلك، وصدقت بكلمات ربها ولم تسأل آية ممن يعلم كُنْه هذا الأمر، ومن لأمرأة في جميع نساء العالمين من بنات آدم ما لها من هذه المناقب!.
ولذلك روي أنها سبقت السابقين مع الرسل إلى الجنة؛ جاء في الخبر عنه صلى الله عليه وسلم: «لو أقسمتُ لبرَرْتُ لا يدخل الجنة قبل سابقي أمتي إلا بضعة عشر رجلًا منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى ومريم ابنة عمران» وقد كان يحِق على من انتحل علم الظاهر.
واستدل بالأشياء الظاهرة على الأشياء الباطنة أن يعرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» وقوله حيث يقول: «لِواء الحمد يوم القيامة بيدي ومفاتيح الكرم بيدي وأنا أوّل خطيب وأوّل شفيع وأوّل مُبشِّر وأوّل وأوّل» فلم ينْل هذا السّؤدد في الدنيا على الرسل إلا لأمر عظيم في الباطن.
وكذلك شأن مريم لم تنل شهادة الله في التنزيل بالصدّيقية والتصديق بالكلمات إلا لمرتبة قريبة دانية.
ومن قال لم تكن نبية قال: إن رؤيتها للملك كما رؤي جبريل عليه السلام في صفة دِحية الكلبي حين سؤاله عن الإسلام والإيمان ولم تكن الصحابة بذلك أنبياء والأوّل أظهر وعليه الأكثر. والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عجيبة:

لا يصطفي الله العبدَ لحضرته إلا بعد تطهيره من الرذائل، وتحليته بأنواع الفضائل، وقطعه عن قلبه الشواغل، والقيام بوظائف العبودية، وبالآداب مع عظمة الربوبية، والخضوع تحت مجاري الأقدار، والتسليم لأحكام الواحد القهار. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الألوسي:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ قَالَتِ الملائكة} تتمة لشرح أحكام اصطفاء آل عمران، ووقعت قصة زكريا، ويحيى عليهما السلام في البين لما فيها مما يؤكد ذلك الاصطفاء، و{إِذْ} في المشهور منصوب بالذكر، والجملة معطوفة على الجملة السابقة عطف القصة على القصة وبينهما كمال المناسبة لأن تلك مسوقة أولًا وبالذات لشرح حال الأم وهذه لشرح حال البنت، والمراد من الملائكة رئيسهم جبريل عليه السلام، والكلام هنا كالكلام فيما تقدم، وجوز أبو البقاء كون الظرف معطوفًا على الظرف السابق وناصبه ناصبه والأول أولى، والمراد: اذكر أيضا من شواهد اصطفاء أولئك الكرام وقت قول الملائكة عليهم السلام {الملائكة يامريم إِنَّ الله اصطفاك} أي اختارك من أول الأمر ولطف بك وميزك على كل محرر وخصك بالكرامات السنية، والتأكيد اعتناءًا بشأن الخبر وقول الملائكة لها ذلك كان شفاها على ما دلت عليه الأخبار ونطقت به الظواهر، وفي بعض الآثار ما يقتضي تكرر هذا القول من الملائكة لها، فقد أخرج ابن جرير عن ابن إسحاق أنه قال: كانت مريم حبيسًا في الكنيسة ومعها فيها غلام اسمه يوسف وقد كان أمه وأبوه جعلاه نذيرًا حبيسًا فكانا في الكنيسة جميعًا وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما فانطلقا إلى المغارة التي فيها الماء فيملآن ثم يرجعان والملائكة في ذلك مقبلة على مريم بالبشارة يا مريم إن الله اصطفاك الآية فإذا سمع ذلك زكريا عليه السلام قال: أن لابنة عمران لشأنًا، وقيل: إن الملائكة عليهم السلام ألهموها ذلك، ولا يخفى أن تفسير القول بالإلهام وإسناده للملائكة خلاف الظاهر وإن كأن لا مانع من أن يكون بواسطتهم أيضا على أنه قول لا يعضده خبر أصلًا، وعلى القول الأولى يكون التكليم من باب الكرامة التي يمنّ بها الله سبحانه على خواص عباده، ومن أنكرها زعم أن ذلك إرهاص وتأسيس لنبوة عيسى عليه السلام أو معجزة لزكريا عليه السلام، وأورد على الأول أن الإرهاص في المشهور أن يتقدم على دعوى النبوة ما يشبه المعجزة كإظلال الغمام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلم الحجر معه، وهذا بظاهره يقتضي وقوع الخارق على يد النبي صلى الله عليه وسلم لكن قبل أن ينبأ لا على يد غيره كما فيما نحن فيه، ويمكن أن يدفع بالعناية؛ وأورد على الثاني بأنه بعيد جدًا إذ لم يقع الكلام مع زكريا عليه السلام ولم يقترن ذلك بالتحدي أيضا فكيف يكون معجزة له، واستدل بهذه الآية من ذهب إلى نبوة مريم لأن تكليم الملائكة يقتضيها، ومنعه اللقاني بأن الملائكة قد كلموا من ليس بنبي إجماعًا فقد روي أنهم كلموا رجلًا خرج لزيارة أخ له في الله تعالى وأخبروه أن الله سبحانه يحبه كحبه لأخبه فيه ولم يقل أحد بنبوته، وادعى أن من توهم أن النبوة مجرد الوحي ومكالمة الملك فقد حاد عن الصواب.
ومن الناس من استدل على عدم استنباء النساء بالإجماع وبقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا} [الأنبياء: 7] ولا يخفى ما فيه، أما أولًا: فلأن حكاية الإجماع في غاية الغرابة فإن الخلاف في نبوة نسوة كحواء، وآسية، وأم موسى، وسارة، وهاجر، ومريم موجود خصوصًا مريم فإن القول بنبوتها شهير، بل مال الشيخ تقي الدين السبكي في الحلبيات، وابن السيد إلى ترجيحه، وذكر أن ذكرها مع الأنبياء في سورتهم قرينة قوية لذلك. وأما ثانيًا: فلأن الاستدلال بالآية لا يصح لأن المذكور فيها الإرسال وهو أخص من الاستنباء على الصحيح المشهور، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم فافهم.
{وَطَهَّرَكِ} أي من الأدناس والأقذار التي تعرض للنساء مثل الحيض والنفاس حتى صرت صالحة لخدمة المسجد قاله الزجاج وروي عن الحسن وابن جبير أن المراد طهرك بالإيمان عن الكفر وبالطاعة عن المعصية، وقيل: نزهك عن الأخلاق الذميمة والطباع الرديئة، والأولى الحمل على العموم أي طهرك من الأقذار الحسية والمعنوية والقلبية والقالبية. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}.
{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ} المراد بها جبريل عليه السلام، والسبب في أن الحق يورد ذلك بـ {قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ} لأن كلام المتكلم- أي الإنسان- له- كما قلنا- زاوية انطلاق يأتي من جهتها الصوت. وتستطيع أن تتأكد من ذلك عندما يجيء لك صوت، فأنت تجد ميل أذنك لجهة مصدر الصوت، فإن جاء الصوت من ناحية أذنك اليمنى فأنت تلتفت وتميل إلى يمينك، وإذا جاءك الصوت من شمالك تلتفت إلى الشمال. لكن المتكلم هنا هو جبريل عليه السلام، ويأتي صوته من كل جهة حتى يصير الأمر عجيبا، لهذا جاء الكلام منسوبا إلى الملائكة.
فماذا قال جبريل؟ قال جبريل مبلغا عن رب العزة: {يامَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} وما الاصطفاء؟ إن الاصطفاء اختيار واجتباء، وهو مأخوذ من الصفو أو الصافي، أي الشيء الخالص من الكدر. وعادة تؤخذ المعاني من المحسات، وعندما تقول الماء الصافي أي الماء غير المكدر، أو كما يقول الحق: {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} [محمد: 15].
وعندما يقول الحق: {إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} نحن هنا أمام اصطفاءين، الاصطفاء الأول ورد دون أن تسبقه كلمة على والإصطفاء الثاني تسبقه كلمة على والمقصود بالإصطفاء الأول هو إبلاغ مريم أن الله ميزها بالإيمان، والصلاح والخلق الطيب، ولكن هذا الاصطفاء الأول جاء مجردا عن على أي أن هذا الاصطفاء الأول لا يمنع أن يوجد معها في مجال هذا الإصطفاء آخرون، بدليل قول الحق: {إِنَّ الله اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33].
ثم أورد الحق سبحانه أنه طهرها، وجاء من بعد ذلك بالاصطفاء الثاني المسبوق بعلى فقال: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} إذن فهذا خروج للرجال عن دائرة هذا الاصطفاء، ولن يكون مجال الاصطفاء موضوعا يتعلق بالرجولة؛ فهي مصطفاة على نساء العالمين، فكأنه لا توجد أنثى في العالمين تشاركها هذا الاصطفاء. لماذا؟ لأنها الوحيدة التي ستلد دون ذكر، وهذه مسألة لن يشاركها فيها أحد.
وقوله الحق: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} هذا القول يجب أن ينبه في نفسها سؤإلا هو: ما الذي تمتاز هي به عن نساء العالمين؟ إن الذهن ينشغل بهذا الأمر، وينشغل على أمر من وظيفة الأنثى، ولنضم هذه إلى قول الحق على لسانها: {إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ونجد أن هذه كلها إيناسات للحدث الذي سيأتي من بعد ذلك، وهو حدث يتعلق بعرضها وعفافها، فلابد أن يمهد الله له تمهيدا مناسبا حتى تتأكد من أن هذه المسألة ليس فيها شيء يخدش الكرامة.
{وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} ولنا أن نسأل: ما نتيجة الاصطفاء؟
لقد عرفنا أن الاصطفاء هو الاجتباء والآختيار، ويقتضي مصطفَى بفتح الفاء. ويقتضي مصطفِي بكسر الفاء. والمصطفى هو الله، لكن ما علة الاصطفاء؟ إن الذي يصطفيه الله إنما يصطفيه لمهمة، وتكون مهمة صعبة. إذن هو يصطفيه حتى يشيع اصطفاؤه في الناس. كأن الله قد خصه بالاصطفاء من أجل الناس ومصلحتهم، سواء أكان هذا الاصطفاء لمكان أم لإنسان أم لزمان ليشيع صفاؤه في كل ما اصطفى عليه. لقد اصطفى الله الكعبة من أجل ماذا؟ حتى يتجه كل إنسان إلى الكعبة. إذن فقد اصطفاها من أجل البشر وليشيع اصطفاؤها في كل مكان آخر، ولذلك قال الحق عن الكعبة: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96].
وإذا اصطفى الحق سبحانه زمانا، كاصطفائه لرمضان، فلماذا اصطفاه؟ ليشيع صفاؤه، وصفاء ما أنزل فيه في كل زمان. إذن فاصطفاء الحق للشخص أو للمكان أو للزمان هو لمصلحة بقية الناس أو الأمكنة أو الأزمنة، لماذا؟ لأن أحدا من الخلق ليس ابنا لله، وليس هناك مكان أولى بمكان عند الله. ولكن الله يصطفي زمانا على زمان، ومكانا على مكان، وإنسانا على إنسان ليشيع اصطفاء المُصطفى في كل ما اصطُفِىَ عليه. إذن فهل يجب على الناس أن يفرحوا بالمصطفى، أو لا يفرحوا به؟ إن عليهم أن يفرحوا به؛ لأنه جاء لمصلحتهم، والحق سبحانه يقول: {يامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (43):

قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبرها سبحانه وتعالى بما اختصها به أمرها بالشكر فقال: {يا مريم اقنتي} أي أخلصي أفعالك للعبادة {لربك} الذي عودك الإحسان بأن رباك هذه التربية.
ولما قدم الإخلاص الذي هو روح العبادة أتبعه أشرفها فقال: {واسجدي} فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
قال الحرالي: وكان من اختصاص هذا الاصطفاء العلي- أي الثاني- ما اختصها من الخطاب بالركوع الذي لحقت به بهذه الأمة الراكعة التي أطلعها الله سبحانه وتعالى من سر عظمته التي هي إزاره على ما لم يطلع عليه أحدًا ممن سواها في قوله: {واركعي مع الراكعين} كما قال لبني إسرائيل عند الأمر بالملة المحمدية {واركعوا مع الراكعين} [البقرة: 43]- إلى ما يقع من كمال ما بشرت به حيث يكلم الناس كهلًا في خاتمة اليوم المحمدي، ويكمل له الوجود الإنساني حيث يتزوج ويولد له- كما ذكر، ولك كله فيما يشعر به ميم التمام في ابتداء الاسم وانتهائه، وفيما بين التمامين من كريم التربية لها ما يشعر به الراء من تولي الحق لها في تربيتها ورزقها، وما تشعر به الياء من كمالها الذي اختصت على عالمها- انتهى. اهـ.